]الوجه الآخر للنسيان [/color]
[/font]كلما أهدى أحدنا الى صديقه صوره أو أرسل اليه رساله للذكرى كتب عليها عاده العباره التالية : " إذكرني فالذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان ." وكأن كل عواطفنا واحده ، وكل أحاسيسنا متشابهه ومتماثله .
والذاكره البشريه لديها طبيعة فطرية يصعب التحكم فيها ، فهي تحتفظ طويلا بالذكرى كلما كانت شديدة الحلاوه أو المراره .
والذاكره الإنسانية أشبه ماتكون بشريط الفيديو فهي تلتقط كل الأشياء المحيطه بها من أصوات ووجوه واجواء وروائح وتسجلها على شكل شرائط بداخل المخ وكل مايتشابه مع ماهو مختزن فيها من مواد " كأصوات وروائح وأماكن ووجوه " مع تقدم العمر ، تظهر فيها الذكريات حيه ونابضه ، وتتداعى الى الذهن بصوره مذهله ومفاجئه وسريعة وخاطفة ، حاملة معها ذات الأحاسيس السابقة والمشاعر الماضية والتجارب القديمة بما تحمله من خوف أو حيره أو إضطراب أو حب أو فرح أو حزن ومن المؤلم فيما يتعلق بالذاكره والنسيان أننا نشعر أننا نستطيع شراء تذكره سفر ونرحل بها حقا عن تلك الوجوه التي نكره أو نحب ، لكنها جزء من حقيقتنا، لكننا لانستطيع شراء تذكره سفر لذاكرتنا فمن يستطيع أن يلومنا على ذاكره نحملها وحدنا فوق رؤسنا وبين ضلوعنا .
وكما قال بطل مسرحية " سؤ التفاهم " لألبير كامي" وهو يبحث عن أمه وأخته اللتين هجرهما في حياته : " لا نستطيع أن نسعد في المنفى أو النسيان ولا نستطيع أن نظل غرباء على الدوام . " .
والنسيان ليس إلا صوره كبرى من صور الحب يعترف فيها المرء بهزيمته أمام نفسه ويتلمس الطريق الى التراجع في خطوات تقودها الحيره وتغشاها الدموع .
فالنسيان ليس إلا محاولة لعدم التفكير في شخص نحبه ومحاولة حثيثه وجاهدة على مسك ممحاه الزمن ومسح كل ما يتعلق بمشاعرنا من احتياج وحنين ووله ولوعه واشتياق او ربما يكون النسيان محاولة لعدم التفكير في شخص نكره أيضا ونريد أن نعفو أنفسنا من إجترار مشاعر الخيبة والقهر والحسره والحسد لكن النسيان هنا حينما يكون إراديا سواء في حالة الحب أو الكره يكون التذكر فيه لحظتها صدمه ، فالنسيان في النهايه هو ببساطه محاولة إمحاء الخطوط السوداء من شاشة المخيلة التي لاتقدر على تكديس كل تلك القسوه والإحتفاظ بها في خلفية الذاكره .
ونحن نحاول النسيان وننسى لأنه يجب علينا ذلك وليس لأننا نريد ، وكما قال الكاتب الإنجليزي :" تشارلز ديكنز " : " إذا كان لي القدره على النسيان فسأنسى لأن كل ذكرى بشرية مثقلة بالشجون وإظطراب الخواطر ." .
لكننا لا نستطيع أن نتجاهل أو أن ننكر أن النسيان هو الحرية كما قال ذلك جبران خليل جبران أو كما يقول المثل الأسباني : " فن النسيان ...... سعاده " .
فلو لا نعمة النسيان لخنقنا الحاضر ، فالنسيان هو العكاز الذي نتوكأ عليه لنشق طريقا وعرا الى الأمام .
فالنسيان ضروره للسعداء كما هو ضروره للأشقياء ، فالسعادة التي لا تنسى كالشقاء الدائم تماما .
وليس بسبب النسيان يتضائل الحزن على فقد الأحبة بل بسبب إقامة إتصال جديد معهم في بعدهم الوجودي الجديد فتصبح الذكرى مناسبة فرح .
والصفح لا يعني النسيان ، بل يعني التذكر وترك الأمور تسير أما الدرجه العالية من الصفح والتي ذكرت في القران الكريم " الصفح الجميل " فهي الرضى بغير عتاب وتلك لعمري درجه عالية المكانة لا يبلغها إلا قله قليلة من البشر فمن منا ذلك الذي يصفح الصفح الجميل وتكون نفسه راضيه بغير عتاب . [/size]