قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ
هذه السورة يأمر الله -جل وعلا- نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يستعيذ برب الفلق، وهو الله -جل وعلا-. " والفلق": هو الصبح في قول جمهور المفسرين.
مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ يعني: من شر مخلوقات الله -جل وعلا- فما له شر من هذه المخلوقات فهو داخل في هذه الاستعاذة. وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ يعني: من شر الليل إذا دخل؛ لأن الليل إذا دخل تتسلط فيه شياطين الإنس، وشياطين الجن والدواب والهوام، وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أراها القمر، وقال: استعيذي بالله، فإنه الغاسق إذا وقب . لكن جمهور المفسرين عن التفسير الأول، وقالوا: إن هذا الحديث يدل على أن ظهور القمر علامة على دخول الليل، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أشار إلى علامة دخول الليل، فلا ينافي ما فسره به جمهور العلماء، وهذا الحديث صححه جمع من العلماء كالترمذي والحاكم وابن خزيمة وابن حبان والحافظ بن حجر في آخره.
ثم قال -جل وعلا-: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ يعني: من شر الأنفس التي تنفث في العقد لتسحر الناس؛ لأن السحرة ينفثون في العقد التي يعقدونها، من أجل سحر الناس، وينفثون عليها، "والنفث ": هو الريق والهواء الذي يخرج من الفم، أو شيء من الريق وهو دون التفل، وفوق النفخ فهذا يسمى نفثا، فهذه نفث الساحر إذا نفث في العقد. يقول العلماء: نفسه شيطانية فتتكيف مع هذه الأشياء، فيحصل السحر للمسحور. وهذه السورة أمر الله -جل وعلا- نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يستعيذ فيها من شر المخلوقات أجمعين، يعني: من شر المخلوقات أجمعين، ثم خصص ذلك بالليل، وخصه -أيضا- بالنفاثات في العقد.
وأيضا: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ يعني: من شر الحاسد إذا حسد في وقت الحسد الذي يحسد فيه الإنسان؛ لأن الإنسان قد يكون متلبسا بهذه الصفة يحسد الناس، لكنه في بعض الأحيان لا يحسد، لكن في حال حسده فهو مأمور من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يستعاذ به في مثل هذه الحالة